الجار الجديد- حيلة ورعب في القرية الهادئة

المؤلف: علي بن محمد الرباعي08.12.2025
الجار الجديد- حيلة ورعب في القرية الهادئة

انتابتِ القريةَ مشاعرُ التعاطفِ نحو ذلك الغريبِ القادمِ من الجنوب، ورثَتْ زوجةُ شيخِ القبيلةِ حالَه، وناشدتْ زوجَها أن يعطفَ عليهِ ويقفَ بجانبهِ قائلةً: "الرأيُ الصائبُ أن نُؤويهِ، فيكونَ عونًا لنا في هذهِ البلاد، وزوجتُهُ تكونُ سندًا لي في شؤونِ البيتِ والأسرةِ". فأجابَ الشيخُ: "هذا ما سأفعلُ بإذنِ اللهِ وتوفيقهِ". ثم عيَّنَ لهُ مكانًا ليبنيَ فيهِ منزلًا، وقالَ لهُ: "جوارُكَ يُشترى يا أبا فُتيل، فالناسُ للناسِ، والجميعُ في حاجةٍ إلى اللهِ". فردَّ عليهِ أبو فُتيل قائلًا: "أعدُكَ يا عمُّ أن أكونَ لكَ مثلَ العافيةِ في الجسدِ". وأوصى الشيخُ الجيرانَ بأن ينادوهُ بالمجاورِ، ولا يستخدموا كلمةَ (النازلة) الشائعةَ، وأن يوسِّعوا لهُ مكانَ البناءِ، فالسعةُ منحةٌ من اللهِ، وأن يساهموا معه في بناءِ البيتِ.

أحضرَ أهلُ القريةِ الحجارةَ اللازمةَ لبناءِ الجدرانِ الأربعةِ، وتطوَّعَ الشبابُ بتوفيرِ الخشبِ وجريدِ النخلِ الضروريِّ للتسقيفِ. اكتملَ بناءُ البيتِ، وسكنَ المجاورُ فيهِ، وذبحَ شاةً كصدقةٍ لشكرِ اللهِ على إتمامِ البناءِ، والتزمَ بتقاليدِ القريةِ وعاداتِها الحميدةِ. كان يحضرُ المجالسَ صامتًا، ويصبُّ القهوةَ في بيتِ شيخِ القبيلةِ، ويخدمُ مع الجماعةِ في جميعِ المناسباتِ. أمَّا زوجتُهُ فقد لاقتْ قبولًا واستحسانًا أكبرَ، لجمالِها ونظافتِها ورائحةِ بخورِها الفوَّاحةِ التي تعبقُ في الطرقاتِ. كانت تستقبلُ الزائرينَ بالترحابِ والودِّ، وتمتلكُ جهازَ راديو يصدحُ بأغانٍ يمنيَّةٍ تعبرُ من النافذةِ إلى آذانٍ تهتزُّ طربًا وشوقًا، وكانت ماهرةً في فنِّ الغزلِ والكلامِ المعسولِ.

لكنَّ أبا فُتيلٍ عرفَ نقطةَ ضعفِ القريةِ، فقامَ بالتعاونِ مع زوجتِهِ بحياكةِ قصةٍ ماكرةٍ هدفُها بثُّ الرعبِ في قلوبِ أهلِ القريةِ. ففي إحدى جلساتِ الضحى، بدأتْ أصواتُ نساءِ القريةِ تتعالى وهنَّ يتساءلنَ عما شاهدتْهُ أمُّ فُتيلٍ في الليلةِ الماضيةِ. فسألتْها زوجةُ شيخِ القبيلةِ: "ما هو هذا المخلوقُ يا أختاه؟" فأجابتْ: "إنَّهُ مخلوقٌ ليسَ كباقي المخلوقاتِ، لهُ وجهُ ذئبٍ، وأرجلُ إنسانٍ، ومخالبُ أسدٍ، وشعرُ قردٍ". فصرختِ النسوةُ جميعًا بذعرٍ: "البعوي!".

انتشرَ خبرُ "البعوي" في جميعِ أنحاءِ القريةِ، فعمَّ الخوفُ والهلعُ كلَّ زاويةٍ من زوايا البيوتِ. طلبَ إمامُ المسجدِ من زوجتِهِ بعدَ صلاةِ المغربِ أن تساعدَهُ في حملِ أكياسِ القمحِ لرصدِ البابِ. وبينما كانا يحملانِ الأكياسَ معًا، أقسمتْ الزوجةُ بأنَّها رأتِ "البعوي" يختبئُ في الظلامِ، فسقطَ الكيسُ من يدِ الإمامِ وتأثَّرَ بطنُهُ من شدةِ الخوفِ. بدأتِ القريةُ تفقدُ تدريجيًا بعضَ أغنامِها، ودجاجِها، وبيضِها، وملابسِها. والتزمَ الجميعُ الصمتَ خوفًا من أن يلحقَ بهم الأذى. قررَ أبو عليٍّ أن يتصدَّى للأمرِ؛ فأخذَ بندقيتهُ، ووضعَ المرآةَ أمامهُ كحاجزٍ واقٍ، وأوصى زوجتَهُ بأن تُعدَّ لهُ عشاءً دسمًا. وفجأةً ظهرَ أمامهُ مجسَّمٌ أثارَ رعبهُ، فسقطَ مغشيًا عليهِ في مكانهِ، واستيقظَ بعدَ ساعةٍ ليجدَ أنَّ قدرَ "الدغابيس واللحمة" قد اختفى! عندها قررتِ القريةُ أن تدعو دعاءَ الراتبِ بعدَ صلاةِ الجمعةِ. كان الإمامُ يدعو والجميعُ يؤمِّنونَ، وكان أبو فُتيلٍ أعلاهم صوتًا بكلمةِ "آمين"، متعجبًا من سلامةِ أهلِ القريةِ من هذا البلاء.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة